العوافي يا وطن

هذه هي الطريق التي اخترتموها
إعداد: د. الهام نصر تابت

أقلعت مراكب العام الجديد وبينها واحد نحن ركاب فيه، فكيف ستكون رحلتنا وأي وجهة ننتهي إليها؟

ما نعرفه هو أنّ البحر هائج وفي الأفق أعاصير تعصف رياحها نارًا ودمارًا ودماء من فلسطين إلى الجنوب، وأبعد منهما في المنطقة.

نعرف أنّنا نسير وسط الأعاصير في مركب غير آمن. الأزمات مقيمة من دون أفق، من الانقسام السياسي إلى انعدام المبادرات الجدية للسير باتجاه حلول تُرسي وفاقًا نحن بأشدّ الحاجة إليه، ومن الأزمة الاقتصادية إلى ما تولّده من تداعيات على مختلف المستويات، ومن تفاقم حدّة أزمة النزوح السوري، إلى خطر تحوّل الجنوب إلى ساحة لكل أنواع الحرائق. نسير وسط الخوف من الغرق في متاهة يصعُب الخروج منها، نصارع الأمواج العاتية بمجاذيف مخلّعة، فإلى أين تنتهي بنا رحلة هذا العام الذي أطلّ مثقلًا بأحمال سابقاته ومكبّلًا بما يرسمه الراهن من ملامح الآتي؟

لا بد من الالتفات قليلًا إلى الوراء لنعاين ما كانت نتيجة تمسّكنا بالأمل والصبر والإرادة والالتزام والثبات في مواجهة الأزمات الخطيرة التي شهدها لبنان خلال السنوات المنصرمة، ومن بينها كارثة انفجار مرفأ بيروت التي فاقت أهوالها كل تصوّر. نعم من الضروري أن نلتفت إلى ما صنعناه، أن تلتفتوا أنتم إلى ما صنعتموه فتتذكّروا العرق الممزوج بالغبار يابسًا على أجسادكم أيامًا وأنتم تحفرون بأظافركم بين الأنقاض لتنقذوا ناجين أو تنتشلوا ضحايا، ومن ثم لتقوموا بكل ما قمتم به مقارعين المستحيل.  هل من الضروري أن نذكّركم بأنّ المرفأ المنكوب عاد إلى العمل بعد بضعة أيام بفضل سواعدكم؟! تستحق البزات التي كنتم ترتدونها يومها أن تُعرض في متاحف العالم عنوانًا للشرف والتضحية والوفاء.

في غمرة المهمات والهموم والمخاوف هل تتذكرون أدعية الناس لكم وأنتم تعيدون الحياة إلى العاصمة، وتطرقون أبواب المتضررين حاملين إليهم المساعدات، على وجوهكم  ابتسامة الأمل وعلى شفاهكم رسالة: نحن معكم، إلى جانبكم؟ مواطنوكم لم ينسوا، صدى أدعيتهم ما زال يتردد في البيوت والمؤسسات والمحلات مرفقًا بدعم سخي من المقتدرين. دعم كان له دور أساس في صمودكم وفي تعزيز الخدمات التي توفرها مؤسستكم وأهمها الطبابة. العالم الذي أدهشتموه لم ينسَ أيضًا، وما زال الكثير من مسؤوليه يردد خلال زياراته إلى لبنان ما مفاده أنّ أداءكم المحترف وصمودكم الفريد هما عملة نادرة. وإذا كان في دعمه لمؤسستكم مصلحة فإنّ فيه أيضًا إقرارًا بأنّكم تستحقون  المساعدة، وهي بالنسبة إليهم استثمار أكيد.

لا داعي لذكر أمثلة أخرى من سجل عطاءاتكم خلال السنوات العجاف، وإن غاب عن بعضكم شيء منها لأنّكم اعتدتم العطاء من دون منة، فاللبنانيون يتذكرون، وهم لذلك يوجهون النداء إليكم كلما واجهتهم شدّة.

هذا تاريخكم منذ تأسيس الجيش، وهذا هو الإرث الذي تتمسكون به والذي جسدتموه في أزمات السنوات الأخيرة، واستطعتم بفضله الحفاظ على مؤسستكم ووطنكم، نعم دفعتم أثمانًا غالية، لكن بفضل ما دفعتموه اجتاز لبنان أكثر من "قطوع" خطير وتم إخماد فتن في مهدها. أنتم تعلمون أنّكم درع الحفاظ على الاستقرار الذي تهدده أخطار كبيرة، والذي لا أمل بتحسّن الأحوال إذا فُقد. تعلمون وتعملون انطلاقًا من وعيكم لحجم المسؤولية الوطنية التي أُلقيت على عاتقكم. وهذا ما ستتابعونه في المقبل من الأيام وما يليها، إلى آخر الزمان.

ستظلون الأساس الصلب، والدرع الواقي لوطنكم وشعبكم، ستعملون بكل طاقاتكم كلٌ من موقعه وفي مختلف المجالات التي تتصل بمهماتكم وتتعداها في أحيان كثيرة. ستصبرون، ستظلون على عهدكم والتزامكم اليمين التي أقسمتموها، ستتعبون وتتعبون، لكن هذه هي الطريق التي اخترتموها ولا سبيل آخر أمامكم.

ستجاهدون لتحفظوا توازن المركب وتمنعوه من الغرق إلى أن يقوم الآخرون بواجباتهم ليصبح بإمكاننا القول إننا نتجه إلى بر الأمان. لكن تذكروا دائمًا المثل الذي يقول: "ما من شدة تدوم"، وأنتم أول باعثي الأمل في زوال الشدائد عن وطننا.

كل عام وأنتم بخير وعافية وتصميم وثبات.

.العوافي يا جيشنا

.العوافي يا وطن